تصنيفات

الاثنين، 14 أبريل 2014

قيمة الزمن عند العلماء لـ"عبدالفتاح أبو غدة"


حين يكون "التقريع" اختياريا، فالكتاب أقرب وسيلة لذلك.. أما الكتاب الذي "قرعني" هذه المرة فهو "قيمة الزمن عند العلماء" لمؤلفه عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله، المولود سنة 1336 والمتوفى 1417هـ ، وفي 160 صفحة حملتها الطبعة العاشرة جال بنا المؤلف في صفحات "قيمة الزمن عند العلماء".
كانت مقدمة الكتاب تسجيلا لأهمية الوقت بالنسبة للمسلم وقيمته في حياة الإنسان عموما متبعا إياها برحلة سردية تطوف بنا بين نماذج عملية مشرقة من سير العلماء وحرصهم على أوقاتهم وأعمارهم.
ويعتبر المؤلف أن المسلم قد غرس في سلوكه الحفاظ على الوقت وذلك بأداء الصلوات الخمس، هذا بالإضافة إلى الحكمة البالغة من تخصيص ذكر الصلاة من بين سائر التكاليف في قول الله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) ووصية النبي صلى الله عليه وسلم في آخر كلماته: (الصلاة الصلاة) لأنها تتكرر في اليوم خمس مرات، ففي زمن يسير ينطبع سلوك فاعلها بضبط الوقت ودقة الوعد وأداء كل عمل في وقته المخصص له على الوجه الأمثل.
ومن أهم ما تطرق له المؤلف عند قول الله تعالى في إيقاع الحجة على الكفار: (أو لم نعمركم فيما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) فأقام العمر الذي هو الزمن الذي يحياه الإنسان حجة عليه، كما أقام وجود النذارة والرسالة حجة عليه.
وأورد المؤلف قول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: ( أي أوما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟ قال قتادة: إعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر).
ولأن لكل وقت ما يملؤه ذكر المؤلف قصة "عامر بن عبد قيس" وعبارته الشهيرة "أمسك الشمس حتى أكلمك" حين استوقفه رجل ليكلمه.
وقدم المؤلف انموذجين من العلماء البارزين في العناية بالعلم والتأليف كابن معين وابا جعفر الطبري محلقا بنا في مواقف من سيرتهم وجهدهم وحرصهم على الوقت، وتقديمهم للمكتبة ا?سلامية ما لا يتهيأ لمخلوق إلا بعناية الخالق.
هذا ابن معين يطلق كلمة صارت فيما بعد دستور المحدثين والعلماء يقول فيها: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش.
وهاهم الفقهاء قوموا الزمن بالمال فقرروا أن ا?جل في البيع يقابل بشيء من الثمن.
وهذا ابن عقيل صاحب الفنون يكتب 800 مجلد، وقد بهرتني مقدمته للكتاب وتعتبر حافزا لكل شخص يرغب في ملء وقته بالمفيد وا?شتغال بما يبقى، ويلخص بهاء الدين ابن النحاس تجربة خالدة في "ضم القليل إلى القليل" للسير على خطى المتقدمين قائلا في بيتين:
اليوم شيء وغدا مثله ** من نخب العلم التي تلتقط 
يحصل المرء بها حكمة ** إنما السيل إجتماع النقط 
الوقت.. لم يعد مهما في وقتنا، ربما ?ننا اعتدنا التفريط فيه، صار طاقة مهدرة.
فمما يعين على اغتنام الزمان بحسب "ابو غدة": الانفراد والعزلة مهما أمكن، والاختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى، وقلة الأكل، فإن كثرته تسبب النوم الطويل وضياع الليل.
ولم يكن ا?مام ابن الجوزي رحمه الله إلا ناصحا لولده في رسالة وسمها ب"لفتة الكبد في نصيحة الولد" ذكر منها المؤلف مقطعا لطيفا ثم أتبعه بما كان ابن الجوزي رحمه الله يتعوذ منه قائلا: "أعوذ بالله من صحبة البطالين". وفي هذا التوقيت أنا في أمس الحاجة إلى ا?ضافة إليه: "اللهم إني أعوذ بك أن أكون بطالا أو مصاحبا للبطالين".
ويحثنا ابو غدة بمداومة المطالعة والقراءة في آثار أولئك العلماء متشكيا من أهل زمانه راجيا السير على نهج من سبقه من العلماء: "أعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا نرى فيهم ذا همة عالية فيقتدي بها المبتدي، ولا صاحب ورع فيستفيد منه المتزهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير القوم ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم كما قال: فاتني أن أرى الديار بطرفي ** فلعلي أرى الديار بسمعي.
وهذا "عمر ابن الخطاب" رضي الله عنه يكره التعطل والبطالة وإضاعة الزمن سدى قائلا: (إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا -فارغا- لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.

*****
من أهم ما يمكن الخروج به من هذا الكتاب: التساؤل الذاتي ومكاشفة النفس حول دور الوقت في حياتنا.
ومن أهم التساؤلات: هل هناك ارتباط بين شيوع ظاهرة ترك الصلاة وضياع الأوقات؟ 
وهل باستطاعتنا استعادة زمام المبادرة وكسر طريقتنا في التعامل مع الوقت؟
ليس هناك أفضل من التعامل بمسؤولية مع عامل الوقت، والاشتغال فيه بما يعود علينا بأثر دنيوي أو أخروي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق