تصنيفات

الاثنين، 3 أبريل 2017

ايقونة الرجال

أقل من مائة صفحة شكلت عملا رياديا يوثق مهجر الفلسطينيين منذ عام ١٩٦٣م، بل هي أيقونة أدبية رمزية تتوالد منها تفسيرات وتأويلات على هامش "التغريبة" الفلسطينية المزمنة.
اعني رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني، التي ربما تأخرت كثيرا في قراءتها حتى أعادتني إليها توصية قرائية ضمن محادثات مع الأديب عبدالواحد الأنصاري، وما أجمل "أستاذيته" التي تفيض علينا باختيارات عميقة وذائقة متفردة وتواضع جم يصلنا باكتشافات نادرة في شتى العلوم ومشارب المعرفة.
ان اسوأ ما تواجهه من ناشر أي رواية حين يأخذ لبّها فيضعه كتمهيد للعمل، فكيف بهذا العمل الروائي القصير؟ وأظن أن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء بالمغرب اساء من حيث لم يقصد، حين أدت به الرغبة في إبراز محورية الكتاب بين أعمال كنفاني فاستفاض حتى قدم لنا الحبكة في سطور، وما ضرهم لو القوا بتلخيصهم للرواية في الصفحات الأخيرة.
استطاع كنفاني بل وفّق في تقديم سيرة الشخصيات الأربع الرئيسة في العمل في حبكة القت بهم تحت رحمة المهربين في البصرة على مشارف الكويت، ليغوصوا في مقلاة الهجرة كما غاص من قبلهم.
عمد كنفاني إلى تقديم شخصياته عالقين في محطة العبور أو الهروب إلى أرض الثراء لكنه لم ينس أن ينقل إلينا ببراعة تلك الحياة التي يظللها الاحتلال وتتطلب اشتراطات عديدة يصعب توفرها.
تشكل الرواية صرخة المهاجرين الذين تدفعهم إرادة الحياة إلى الاغتراب مهما ترصدت لهم النقاط أو خنقتهم مواقف اللامبالين والمتربحين من قضاياهم.
فأبو العبد كان مقاتلا في الرملة وابو الخيزران الذي فقد رجوليته بقنبلة أو شظية في سبيل الوطن أصبحوا مهربي بشر بحثا عن مزيد من النقود، هكذا يتحول صاحب القضية إلى مقامر عليها يترقب البسطاء وينهب من جيوبهم ثمن أحلامهم.
إن العمل الأدبي وسيلة مقاومة ناجعة كما تدلل أعمال كنفاني، بل إن "رجال في الشمس" أمثولة لشعب وصرخة مدوية وعمل خالد في أدبيات الهجرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق