‏إظهار الرسائل ذات التسميات رحيق الكتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رحيق الكتب. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 3 أبريل 2017

ايقونة الرجال

أقل من مائة صفحة شكلت عملا رياديا يوثق مهجر الفلسطينيين منذ عام ١٩٦٣م، بل هي أيقونة أدبية رمزية تتوالد منها تفسيرات وتأويلات على هامش "التغريبة" الفلسطينية المزمنة.
اعني رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني، التي ربما تأخرت كثيرا في قراءتها حتى أعادتني إليها توصية قرائية ضمن محادثات مع الأديب عبدالواحد الأنصاري، وما أجمل "أستاذيته" التي تفيض علينا باختيارات عميقة وذائقة متفردة وتواضع جم يصلنا باكتشافات نادرة في شتى العلوم ومشارب المعرفة.
ان اسوأ ما تواجهه من ناشر أي رواية حين يأخذ لبّها فيضعه كتمهيد للعمل، فكيف بهذا العمل الروائي القصير؟ وأظن أن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء بالمغرب اساء من حيث لم يقصد، حين أدت به الرغبة في إبراز محورية الكتاب بين أعمال كنفاني فاستفاض حتى قدم لنا الحبكة في سطور، وما ضرهم لو القوا بتلخيصهم للرواية في الصفحات الأخيرة.
استطاع كنفاني بل وفّق في تقديم سيرة الشخصيات الأربع الرئيسة في العمل في حبكة القت بهم تحت رحمة المهربين في البصرة على مشارف الكويت، ليغوصوا في مقلاة الهجرة كما غاص من قبلهم.
عمد كنفاني إلى تقديم شخصياته عالقين في محطة العبور أو الهروب إلى أرض الثراء لكنه لم ينس أن ينقل إلينا ببراعة تلك الحياة التي يظللها الاحتلال وتتطلب اشتراطات عديدة يصعب توفرها.
تشكل الرواية صرخة المهاجرين الذين تدفعهم إرادة الحياة إلى الاغتراب مهما ترصدت لهم النقاط أو خنقتهم مواقف اللامبالين والمتربحين من قضاياهم.
فأبو العبد كان مقاتلا في الرملة وابو الخيزران الذي فقد رجوليته بقنبلة أو شظية في سبيل الوطن أصبحوا مهربي بشر بحثا عن مزيد من النقود، هكذا يتحول صاحب القضية إلى مقامر عليها يترقب البسطاء وينهب من جيوبهم ثمن أحلامهم.
إن العمل الأدبي وسيلة مقاومة ناجعة كما تدلل أعمال كنفاني، بل إن "رجال في الشمس" أمثولة لشعب وصرخة مدوية وعمل خالد في أدبيات الهجرة.

الأحد، 19 مارس 2017

عجائبية الارتهان للبؤس



في ظل زخم روائي تنهمر به دور النشر يحاذر القارئ التورط في فخاخها، ولكوني أتوجس حتى من أغلفة الكتب وأكره اقتناء يفرضه الشكل قبل المضمون، كنت سأتجنب قراءة رواية «الرحلة العجيبة للفقير الذي ظل حبيسا في خزانة إيكيا» خاصة وأنها ممهورة بجائزة فرنسية، ولا يخفى عليكم انتهازية التسويق بالجوائز في أيامنا.
كل ذلك لم يجنبني الوقوع في أسرها ذات أمسية اشتهيت فيها معانقة السرد ولذة الأخيلة، كنت أتهرب فيها من كتابة عرض عمل يفرضه الدوام، فلم أفق من سكرتي إلا وأنا قد تجاوزت المئتي صفحة.
غواية القراءة في حبكة رومان بيترولاس التي ترجمها حسين عمر وصدرت عن المركز الثقافي العربي يعود – ربما – إلى واقعيتها الساخرة، ومتانة علاقة شخصياتها وانتقالاتها المكانية مع عناية بالتفاصيل.
رحلة الهندي آجاتاشاترو لافاش باتيل التي ابتدأت بباريس وانتقلت إلى بريطانيا وإسبانيا ثم إيطاليا وليبيا ومنها إلى باريس، تشكل مغامرة قسرية إلى مرابع الفقراء في جيبور الهندية وتقف بنا على حيل الزهاد الراجستانيين الذين يمضون حياتهم شبه عراة يمارسون الخدع والحيل في الشوارع، كما تحكي معاناة الهاربين من بؤس الأوطان رغبة في الوصول إلى «البلدان الجميلة» موثقة مأساوية السفر إليها في مقطورات بين صناديق الفراولة الإسبانية والكرنب البلجيكي، والرحلات العابرة للقارات، وراكبي القوارب البدائية التي تنطلق من جحيم ليبيا إلى معاقل السواحل الإيطالية أو إلى لجة البحر، أقدار تتداخل بحثا عن الحياة تحت ظلال عالم تحكمه الأنظمة وتسيجه القوانين.
يتطابق الاسم الثاني من اسم بطل الرواية «لا فاش» مع معنى كلمة «بقرة» في اللغة الفرنسية، حيث يستثمرها المؤلف في مواضع عديدة تتضاءل فيها شخصية المحتال تحت سطوة الأقوياء، مع سخرية لاذعة في الانتقالات والمفارقات التي تواجهه، حتى في تحوله لكاتب بين ليلة وضحاها.
الثلاثمئة صفحة تسرد بذكاء مواجهة الإنسان لذاته وانكشافها أمام وقائع الحياة مع صعوبة التحول عن الأخطاء، الأمر ذاته يستعصي على عالمنا اليوم مع سيطرة الصراعات وانتشار رقعة تأثيرها على البلدان حتى تلك المستقرة منها.
قد يستلزمنا التغيير عمرا وربما رحلة عجائبية لنصل إلى معرفة أننا يجب أن نترك تلك الطرق المواربة ونتجه لتصحيح مساراتنا في الحياة، حيث نتصالح مع ذواتنا ونكتشف الحب ونعمر العالم المتهدم من حولنا.






الأحد، 16 نوفمبر 2014

كيف أصبحتُ غبيا؟ لـ"مارتن باج": التشبث بـ"الذكاء" في الزمن الصعب



السعادة قد تكمن في التغابي، لكن الغباء ليس حلا لتناقضات الحياة وتضادها مع مسارنا واختياراتنا.
ففي ذروة انهماكنا في حياة تقدس "الإستهلاك" وتعزز "الفردية" يجب أن لا نغفل عن الحياة الحقيقية التي تشكل ذواتنا وتسمو بنا نحو أهدافنا.
كيف أصبحت غبيا؟ ذلك السؤال الذي استطاع  "مارتن باج" أن يحوله في رواية ساخرة إلى حوار ذاتي يفاصل بين الفرد وتيارات الحياة الإستهلاكية والمجتمع العصري ومتطلباتهما.
فـ"أنطوان" الذي عذّبه ذكاؤه وقد تأكد أن "كلمة الذكاء تعبّر عن حماقات أُحْسِنَ بناؤها وزين لفظها وأنها كلمة مؤذية جدا" مفضلا الحماقة على كون المرء "مثقفا" لم يستطع تمالك نفسه معتبرا أن "العقل سبب شقائه" وأنه من اولئك الذين "لايستطيعون إثمار حسناتهم، بل ممن تتحول حسناتهم سيئات" فالذكاء عاهة وكما يقال "من يزيد علمه يزيد ألمه".
اتخذ "أنطوان" قرارا بأن "يغير حياته بطرق كثيرة، قبل أن يصبح غبيا، حلولا أخرى ليذلل صعوبات المشاركة في الحياة" محاولته الأولى والتي قد تعتبر خرقاء كانت مليئة بأمل صادق تلخصت في اختياره أن يكون "سكيرا، ثملا، لا يعود بحاجة للتفكير" وبعد الاستعانة بقواميس ومعاجم الكحول واستعارتها من المكتبة ليلمَّ بالموضوع قبل الشروع في الشرب.
زار الخمارة التي لاتبعد عن مسكنه أكثر من 50 مترا، جالس "ليوناردو" وأبدى له رغبته في تعلم السكر، وبعد مداولة الفكرة معه طلب له قدحا من البيرة، لكن نصف الكأس كان كافيا لنقله إلى المشفى في حالة غيبوبة جرّاء التسمم.
المحاولة الثانية: كانت الإنتحار، فشخصيات كثيرة أعجب بها امتلكت شجاعة اختيار لحظة موتها، وقرر الإنضمام إلى مركز لتعليم الانتحار وبعد تعلمه الكيفية "فقد براءة الهاوي ليكتسب خبرة المحترف، لم تعد لديه الرغبة فيه". "لم يكن أنطوان يرغب في العيش، هذا مؤكد، ولكنه أيضا لم يكن يريد أن يموت".
استمرار المعاناة جعلت "أنطوان" مرة أخرى يجزم بأنه مريض بـ"الإفراط في التفكير"، وبعد اكتشافه "يقين الصلة بين شقائه وتطرف عقله" قرّر ببساطة أنه "يريد أن يعيش لا أن يعرف حقيقة الحياة" فتحسين حياته هو أن يكون غبيا..
إن اشتراطات الحياة التي تثقل كاهل الفرد إذا لم يجابهها بموقف "مثقف" فإنها ستتحول إلى تعاسة قاتلة تسلب منا إنسانيتنا وأخلاقنا.
صحيح أن كثيرا من الاكتشافات التي أدت إلى تحولات حضارية كان "أولاد عاجزون ليس لديهم ما يفعلونه غير التفكير وإمضاء الوقت فيه وتخيل حكايات وابتكارات" لكن ذلك ليس كافيا للتضحية بوجود الأصدقاء والحياة الاجتماعية، إن "الذكاء الوظيفي" الذي يخدم علما أو قضية أو مهنة هو وصفة يمكن تناولها في وجه ما يعترينا من رغبة في الانعزال أو التماهي مع تيار الإستهلاك.
إن أكثر ما كان يخشاه "أنطوان" هو "الثمن الذي ينبغي دفعه لامتلاك اليقينيات" فالإنسان الذي لايملك مبادئا يواجه بها السائد، سيكون عرضة لأمراض العصر والحيرة والتردد والشتات، كان بكل سذاجة يفضل التخلي عن "ذكائه" مقابل امتلاك اليقين بأي قضية مهما كانت تافهة.
هناك أعراض يمكن من خلالها تفهم "الغباء" الذي يجب الهرب منه؛ إنها يمكن أن تتلخص في "نسيان الإدراك وعدم الشغف بالشأن اليومي، وتصديق السياسة، وشراء ثياب جميلة ومتابعة الأحداث الرياضية، والحلم بآخر طراز سيارة، ومشاهدة الأخبار التلفزيونية، والتجرؤ على كره الأشياء وعدم امتلاك القدرة على الحكم على الأشياء" إنها أمور تجعلك منساقا ضمن "عقل كبير يدعى "الرأي العام"، فأنطوان في رحلته الغبية كان يفضل عدم فهم تلك الأمور متعذرا بأنه يفضل ان يكون مثل الناس "سأكون بينهم، أقاسمهم الأمور ذاتها".
إن الغباء يكمن في الخضوع لـ"الأخلاق الليبرالية" مع امتلاك حس غير "مبال بالعواقب، أناني، لا هم له سوى المال، لا هم ولا قضية وجودية كبرى سوى طريقة كسب أكثر ما يمكن منه".
حاول "أنطوان" أن يهرب إلى "الغباء" بتناول حبوب "الأوروزاك" بحيث تغادره الشكوك والقلق وتزين له الواقع كـ"مسحوق مضئ مذهب وملون" دون منغص "الأسئلة والمبادئ التي كانت تتشابك في عقله، ولم يعد "أنطوان" متأثرا بـ"بؤس العالم، والاعتداءات، والحروب، والتفاوت الاجتماعي" فقط أصبح واقعيا تحت تأثير "الأوروزاك".
وليبرهن "أنطوان" على نجاحه في الاندماج بالمجتمع الجديد اقتحم "الماكدونالدز: كهف الرأسمالية الإمبريالية، تخلص من عباراة اللباقة وتجنبها، قصّ شعره وقلد اختياراتهم في اللباس واشترى حذاء من ماركة نايك وجينز من ماركة لوفيز وكنزة ريضاية من أديداس واقترف زيارة إلى الفناء البرجوازي: غالييري، مرّ بمحل ألعاب الفيديو لينهمك في معركة لإبادة المخلوقات، وأصبح بطلا.. ورغب بعدها في إثارة النساء، ومشابهة فرسان الأحلام الموجودين على أغلفة المجلات وانتسب في صالة لكمال الجسام، وأقنعه جديّة زبائن الصالة بأهمية نشاطه" لم يعد كما كان وانضم إلى "رافي" الصديق القديم الذي أثرى من بيع الأسهم والسندات، وامتلك ثروة بعد إجراء الحاسوب لعمليات حسابية إثر انسكاب فنجان من القهوة على لوحة مفاتيحه، وتوصل إلى حقيقة مفادها: "النفس هي أسهل ما يمكن إفسادها، وفرت عليه حبة حمراء التفكير بأنه استطاع في الوقت ذاته أن يبيع نفسه ويشتريها مع ثروة لا يحلم بها".
طبعة جيب من "رسائل فلوبير" وهو أحد الكتب الأثيرة عنده قبل تحوله، لم تستطع إعادته إلى الحياة، فاتجه إلى التلفزيون وتأثيراته المهدّئة والمقاومة للقلق حيث ينساب "الشعاع الشمسي الذي يدفئ ويملأ كهف وعيه"، زاره شبح "داني بريان" وعلى أنغام أغنية "أعد لي حظي من البافلات" كان يقرأ له "رسالة إلى الآنسة ليرواييه دي شانتوبي" من رسائل فلوبير، أعاد "الشبح" بتلك الأحداث بعض وعيه إليه، مذكرا إياه بما كان نيتشه يقوله: "الذكاء حصان جامح، يجب أن نجيد ترويضه وإطعامه الشوفان المناسب وتنظيفه وأحيانا استخدام المهماز".
تعرض "أنطوان" للخطف من أصدقائه "لآس وشارلوت وغانجا ورودولف" نقلوه إلى شقته القديمة التي غطوا جدرانها بستائر، وقرأوا عليه تعاويذ مكونة من كتاب "تأملات ميتافيزيقية لديكارت" ووأنشدوا عليه فقرات من أفكار باسكال وأعمالا أخرى بغرض إزالة السحر .
حين استعاد "انطوان" أصدقاءه، وجد "كليمانس" والحب في انتظاره، ليستأنف حياته بهدر طاقته في النقاش والتنزه على ضفاف النهر، ولعب "لعبة الأشباح": حيث يقودان بعضهما كشبحين، وينظرا إلى الناس على أرصفة المقاهي بدقة وأن يجولا الشوارع والمتاجر الصاخبة ويتسكعا مستغلين لامرئيتهما وكأنهما قد تواريا عن أنظار العالم".
160 صفحة ترجمها: حسين عمر، حملت قدرا من السخرية على عالم متماوج يضخ المعلومات التي ينساق خلفها الناس متلهين عن المعرفة التي تستحق العناء والبحث والنقاش، حياة يحسدك عليها كل من لا يعرفونها، حياة تنبض ذكاء وحبا وصداقات لا تنتهي.

الاثنين، 14 أبريل 2014

قيمة الزمن عند العلماء لـ"عبدالفتاح أبو غدة"


حين يكون "التقريع" اختياريا، فالكتاب أقرب وسيلة لذلك.. أما الكتاب الذي "قرعني" هذه المرة فهو "قيمة الزمن عند العلماء" لمؤلفه عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله، المولود سنة 1336 والمتوفى 1417هـ ، وفي 160 صفحة حملتها الطبعة العاشرة جال بنا المؤلف في صفحات "قيمة الزمن عند العلماء".
كانت مقدمة الكتاب تسجيلا لأهمية الوقت بالنسبة للمسلم وقيمته في حياة الإنسان عموما متبعا إياها برحلة سردية تطوف بنا بين نماذج عملية مشرقة من سير العلماء وحرصهم على أوقاتهم وأعمارهم.
ويعتبر المؤلف أن المسلم قد غرس في سلوكه الحفاظ على الوقت وذلك بأداء الصلوات الخمس، هذا بالإضافة إلى الحكمة البالغة من تخصيص ذكر الصلاة من بين سائر التكاليف في قول الله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) ووصية النبي صلى الله عليه وسلم في آخر كلماته: (الصلاة الصلاة) لأنها تتكرر في اليوم خمس مرات، ففي زمن يسير ينطبع سلوك فاعلها بضبط الوقت ودقة الوعد وأداء كل عمل في وقته المخصص له على الوجه الأمثل.
ومن أهم ما تطرق له المؤلف عند قول الله تعالى في إيقاع الحجة على الكفار: (أو لم نعمركم فيما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) فأقام العمر الذي هو الزمن الذي يحياه الإنسان حجة عليه، كما أقام وجود النذارة والرسالة حجة عليه.
وأورد المؤلف قول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: ( أي أوما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟ قال قتادة: إعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر).
ولأن لكل وقت ما يملؤه ذكر المؤلف قصة "عامر بن عبد قيس" وعبارته الشهيرة "أمسك الشمس حتى أكلمك" حين استوقفه رجل ليكلمه.
وقدم المؤلف انموذجين من العلماء البارزين في العناية بالعلم والتأليف كابن معين وابا جعفر الطبري محلقا بنا في مواقف من سيرتهم وجهدهم وحرصهم على الوقت، وتقديمهم للمكتبة ا?سلامية ما لا يتهيأ لمخلوق إلا بعناية الخالق.
هذا ابن معين يطلق كلمة صارت فيما بعد دستور المحدثين والعلماء يقول فيها: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش.
وهاهم الفقهاء قوموا الزمن بالمال فقرروا أن ا?جل في البيع يقابل بشيء من الثمن.
وهذا ابن عقيل صاحب الفنون يكتب 800 مجلد، وقد بهرتني مقدمته للكتاب وتعتبر حافزا لكل شخص يرغب في ملء وقته بالمفيد وا?شتغال بما يبقى، ويلخص بهاء الدين ابن النحاس تجربة خالدة في "ضم القليل إلى القليل" للسير على خطى المتقدمين قائلا في بيتين:
اليوم شيء وغدا مثله ** من نخب العلم التي تلتقط 
يحصل المرء بها حكمة ** إنما السيل إجتماع النقط 
الوقت.. لم يعد مهما في وقتنا، ربما ?ننا اعتدنا التفريط فيه، صار طاقة مهدرة.
فمما يعين على اغتنام الزمان بحسب "ابو غدة": الانفراد والعزلة مهما أمكن، والاختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى، وقلة الأكل، فإن كثرته تسبب النوم الطويل وضياع الليل.
ولم يكن ا?مام ابن الجوزي رحمه الله إلا ناصحا لولده في رسالة وسمها ب"لفتة الكبد في نصيحة الولد" ذكر منها المؤلف مقطعا لطيفا ثم أتبعه بما كان ابن الجوزي رحمه الله يتعوذ منه قائلا: "أعوذ بالله من صحبة البطالين". وفي هذا التوقيت أنا في أمس الحاجة إلى ا?ضافة إليه: "اللهم إني أعوذ بك أن أكون بطالا أو مصاحبا للبطالين".
ويحثنا ابو غدة بمداومة المطالعة والقراءة في آثار أولئك العلماء متشكيا من أهل زمانه راجيا السير على نهج من سبقه من العلماء: "أعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا نرى فيهم ذا همة عالية فيقتدي بها المبتدي، ولا صاحب ورع فيستفيد منه المتزهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير القوم ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم كما قال: فاتني أن أرى الديار بطرفي ** فلعلي أرى الديار بسمعي.
وهذا "عمر ابن الخطاب" رضي الله عنه يكره التعطل والبطالة وإضاعة الزمن سدى قائلا: (إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا -فارغا- لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.

*****
من أهم ما يمكن الخروج به من هذا الكتاب: التساؤل الذاتي ومكاشفة النفس حول دور الوقت في حياتنا.
ومن أهم التساؤلات: هل هناك ارتباط بين شيوع ظاهرة ترك الصلاة وضياع الأوقات؟ 
وهل باستطاعتنا استعادة زمام المبادرة وكسر طريقتنا في التعامل مع الوقت؟
ليس هناك أفضل من التعامل بمسؤولية مع عامل الوقت، والاشتغال فيه بما يعود علينا بأثر دنيوي أو أخروي.

الأربعاء، 29 يناير 2014

في غرب البرازيل .. للعبودي


إذا كان لا بد من دافع لقرءة هذا الكتاب فهو الاطلاع مجددا على أسلوب "العبودي" أحد أشهر الرحالة المعاصرين وكتابته في أدب الرحلات، بالإضافة إلى سبب خارجي وهو مشاركة القراءة مع رفاق الكتاب في نادي "قراءات". وقد تحججنا من باب إيجاد الأسباب لقراءته جماعيا بالرغبة في الإطلالة على البرازيل قبل كأس العالم المرتقبة مطلع 2014م.

حقيقة لا ينكر أحد ما تتمع به كتابات "العبودي" من سهولة في العبارة مع عناية بالتفاصيل وأمانة في النقل، وذلك جل ما يطلبه القارئ لأدب الرحلة.

يستهويني تنوع البلدان التي يزورها العبودي، وطريقته في تدوين المعلومات فهو يفضل دائما "تقييد مذكرات يومية في البلدان التي يزورها" كما يقول في الكتاب أنه اختار طريقته هذه لسببين: أنها وجدت من القراء الكرام أو من بعضهم ترحيبا بسبب قلة كتب الرحلات، وثانيا لأن أدب الرحلات من فنون الأدب المعروفة".

والكتاب الذي بين أيدينا "في غرب البرازيل" تطرق كعادة المؤلف لـ"ما شاهدته من أحوال السكان وألوانهم وطرق معايشهم إلى جانب وصف طرق البلاد التي سلكتها والمناطق التي زرتها والمعاملة التي صادفتها عند أهلها".

هل باستطاعتنا تقديم قراءة لكتاب "رحلات" دون الاضطرار لنقل معلومات وإحصاءات؟
هذا ما أحاول تقديمه في هذه القراءة المبتسرة، رغم فقدي لنصف تدويناتي وملاحظاتي من الكتاب.
وحرصت أن أتعرض فيها لشذرات مما لفت إليه المؤلف من انطباعات، ومعلومات، وأفكار لا ترتبط بالزمن.

فإلى بعض القطوف والنقاط التي لفتنا إليها الرحالة وهي 12 نقطة:
1/ كتب المسلمون الذين كلهم عرب في حينه على منبر المسجد: "إذا صعد الإمام المنبر فلا صلاة ولا كلام" ورغبت في معرفة الدافع وراء كتابة النص الذي يحسبونه حديثا، فبحثت في قوقل فوجدت أنها منتشرة في مساجد الشام، وكانت نتيجة الحكم على العبارة في ملتقى أهل الحديث: قول الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1 / 199) : باطل .
كما انها تخالف حديثين صحيحين:
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة و قد خرج الإمام فليصل ركعتين ". أخرجه البخاري و مسلم في "صحيحيهما" من حديث جابر.
الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا قلت لصاحبك: أنصت ، يوم الجمعة
و الإمام يخطب فقد لغوت" متفق عليه.

2/ كان احتضان المدينة للمسجد لافتا فـ"المدينة تمنع البناء حول المسجد لأنها تعتبره من المناطق السياحية الجميلة، كما تطبع صورته على بطاقات بريدية".

3/ انتشار صناعة اللحوم من البقل والبرازيلين يتوسعون فيه فقد صاروا يصنعون منه لحما يشبه اللحم الطبيعي في خصائصه وبخاصة في "الزلاليات" التي يحتوي عليها.

4/ مقابر المسلمين:
 كان المسلمون يقبرون في قسم منفصل من المقبرة العامة وأن الدولة تشترط عليهم شروطا لاتتفق مع الشريعة، كما أن سعر الدفن فيها غال.
ومن المضحك المبكي ان سعر القبر يكون محددا بمدة معينة يتم الاتفاق عليها بين شركة الدفن وبين ورثة الميت.
قال خالد حيمور: لذلك سعينا في شراء مقبرة للمسلمين.

5/ منظر الإبل له غرابة هنا إضافة إلى الرمز الذي يعنيه بالنسبة لهم. ولم يفصل المؤلف فيها.

6/ قول المؤلف: وقد طرأت في ذهني المقارنة بين لباس النساء هنا ولباسهن في "ريو".
النساء في "كويابا" أكثر تسترا أو لنقل أقل تهتكا من النساء في "ريو" لأن لباس النساء هنا ليس فيه تستر ولا ما يقرب التستر. ص34

7/ الحر يسبب الخمول وعدم النظافة أم يسبب الكسل واللامبالاة؟

8/ لا قهوة.. وإنما الشاي..
في البلد الأكثر انتاجا للبن لم يجد القهوة.. وليس بعيدا عن ولاية "بارانا" أكثر الولايات انتاجا للبن.

9/ مفارقة الأجواء الحارة في "كويابا" مع تجمد الولايات المتحدة.
وأن موسم الأمطار يمتد لسبعة شهور..

10/ من الإطلاقات التي استخدمها المؤلف:
حاشدة الكهرباء الصغيرة (البطارية)
المصورة (آلة التصوير)
العمبة (المانجو) .

11/ معاني بعض الأسماء:
فاطمة دوسول.. اي الجنوب وهي قديسة عندهم وصلهم ا?سم العربي جراء تأثر البرتغاليين با?ندلس.
سان باولو اي القديس بولص .

12/ معلومات:
في البرازيل حتى الصويا يخرجون منها اللحم، واغلب ما يخرجونه الزيت.
السيارات في البرازيل تسير بالكحول المستخرج من السكر.
اغلب السيارات مصنوعة في نفس البلد في البرازيل.

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

الطريق إلى القرآن - إبراهيم السكران


هذا الكتاب قابلته مصادفة، ولوقع المصادفة عندي لذة لا تشبه أي مذاق آخر.. فأنا أحتفي بالمصادفات لأني أعرف قدر ما تحققه لي من النشوة المسكرة عن كل لحظاتي العكرة التي أتنقل بينها يوما بعد يوم.
وكما لو كان موعدا مع الغرام جاء الكتاب قبل رمضان بعدة أيام، فتعرفت عليه وقمت بتحميله الكترونيا، وحينها كان تمرينا نفسيا عالي المستوى للتهيؤ لشهر القرآن والعودة لمصاحبة المصحف من جديد بعد طول هجر وابتعاد.
لا يمكنني الاكتفاء من هذا الكتاب، فأنا اعتبره من أجمل المقالات التي تجدد علاقة الإنسان بالله وبالرسالة الربانية التي تضمها جنبات المصحف.
هذا الكتاب ليس إلا نزهة روحانية إلى مدارج السالكين والارتقاء إلى منازل أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
هذا طرف من الحديث عن علاقتي بهذا الكتاب، فهو ثري بمادته العلمية والوعظية التي تسكب السكينة على القلب كما تحفز النفس على التطلع إلى الخير وتدارك الأيام.
إنه كما قال المؤلف: "حصيلة خطرات وتباريح حول واقع القرآن في حياتنا، وآثاره المبهرة الحسية والمعنوية".
هذا الكتاب باختصار: "رحلة لإعادة علاقتنا بالقرآن، بل وتجديد تعلقنا به، وعمارة نفوسنا وحياتنا بحضوره في حياتنا اليومية".
جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن، وأن يعيننا على المواظبة على ورد يومي منه، وأن يفتح علينا أبواب تدبره ومدارسته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

معانقة النص.. أثر الفراشه.. محمود درويش


لا يـبالي بشيء 
إذا قطعوا الماء
عن بيته قال : لا بأس ! 
إن الشتاء
قريب.
وإن أوقفوا ساعة الكهرباء
تثاءب : لا بأس ، فالشمس تكفي.
وإن هددوه بتخفيض راتبه قال: لا
لا بأس ! سوف أصوم عن التبغ شهراً.
وإن أخذوه إلى السجن
قال : ولا بأس ، أخلو قليلاً إلى النفس
في صحبة الذكريات ..
وإن أرجعوه إلى بيته قال:
لا بأس ! فالبيت بيتي.
وقلت له مرة غاضباً : كيف تحيا غداً ؟
قال: لا شأن لي بغدي .. إنه فكرة
لا تراودني. وأنا هكذا هكذا : لن
يغيرني أي شيء، كما لم أغير أنا
أي شيء ... فلا تحجب الشمس عني
فقلت له : لستُ اسكندر المتعالي
ولستَ ديوجين
فقال : ولكن في اللامبالاة فلسفة ،
إنها صفة من صفات الأمل

!

أثر الفراشه
محمود درويش

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

الأحرار الملثمون..الطوارق بين الإرهاب والثورة والحب لمصطفى الأنصاري


بين كتب قليلة انتهجت أسلوب الصحافة الاستقصائية للدخول إلى عمق أكبر صحاري العالم للتنقيب في تضاريسها وعن أسرار تكوينها الإجتماعي والسياسي والديني، زار مصطفى الأنصاري الصحفي بجريدة الحياة تلك المنطقة وكتب لنا: (الأحرار الملثمون..الطوارق بين الإرهاب والثورة والحب) الذي قد يكون الكتاب الأول في بابه-حسب قول المؤلف- الذي (يتناول الساحة الصحراوية من زاوية سياسية عالمية، بعد تطور الأحداث هنالك إلى حالة أزمة، بعد اتخاذ ما يسمى القاعدة في المغرب الإسلامي، تلك الصحراء ملجأ استراتيجيا لها) .
صدر الكتاب عن دار مدارك للنشر في ٢٢٣صفحة من الورق المتوسط، ويحمل بين طياته تسجيلا لرحلة ابتدأها الكاتب ٢٠٠٥م واختار (إفراد واقع الملثمين بغلاف مستقل لما استجد في المنطقة من أحداث جعلتها نقطة ساخنة متجددة) .
يحتوي الكتاب على خمس فصول وملاحق، أتت كالتالي:
الفصل الأول: السكان والأرض .
الفصل الثاني: كلمة الرصاص .
الفصل الثالث: صراع الأفكار والأطماع .
الفصل الرابع: عاصمة الرمال والأفكار (تنبكتو) .
الفصل الخامس: الغرام الصعب .
ملاحق: *طوارق الجزائر وليبيا أحسن حالا..ولكن! *ليبيا وطوارقها.
لقد حاول الكاتب بهذه الشمولية أن يستدعي واقع المنطقة، ويستنطقه بأسلوب صحافي جزل منفصلا -على غير العادة- عن الأسطورة التي حاول الكاتب الحد من تأثيرها حتى يستطيع (إضافة جديد إلى القارئ الذي كثيرا ما يشقي البحث عما يهمه رجال مهنة المتاعب) .
ولأن الكتاب قدم عدة قضايا تلهب ذهن القارئ كما تلهب رمال الصحراء أقدام الحفاة فمن الصعب اجتزاؤها أو محاولة عرضها بطريقة غير مخلة، وبالرغم من قراءتي لبعض فصول الكتاب حين نشرها الكاتب في صحيفة الحياة إلا أني وجدت سياق الكتاب جعلها في وحدة موضوعية وظفت لتقديم مادة غنية بالمعلومات والوقائع ، بالإضافة لضمه فصلا عن (الحب والحياة الاجتماعية) كتبه الأستاذ: محمد عبدالباقي، كما استعان الكاتب بمراجع ومصادر توثيقية للآثار والمعلومات والوقائع .
والذي خلص إليه المؤلف خلال سنوات خمس تابع فيها ملف الصحراء الكبرى هو أن مشكلتها تنحصر في الجانب التنموي، وهو الذي تفرعت عنه معضلتا الهوية والأمن/الإرهاب، ويحاول في خاتمة كتابه إخراج المنطقة من كونها إشكالية عالمية وأهلها ضحايا إلى الأبد بطرح حلول عملية مرهونة بالإرادة الدولية .
الكتاب يزخر بالتحليلات السياسية والعناوين المانشيتية الأخاذة ويعتبر ببساطة تجربة ممتعة وقصة مثيرة ونافذة تضع القارئ في قلب المنطقة .

ايقونة الرجال

أقل من مائة صفحة شكلت عملا رياديا يوثق مهجر الفلسطينيين منذ عام ١٩٦٣م، بل هي أيقونة أدبية رمزية تتوالد منها تفسيرات وتأويلات على هامش...